حياتي مع الشلل الرعاش 9

0


صباح/مساء الخير
كل عام وأنتم بخير وعيدكم مبارك ...

في كل عام في شهر رمضان أتمنى دائما أن يعود رمضان مع تحسن حالتي الصحية

بعد اكتشاف المرض وقبل دخول شهر رمضان كان أبي يحدثني عدة مرات عن الصيام. زهراء إن لم يتحمل جسمك الصيام فأقطعي الصيام، تستطيعي القضاء في وقت لاحق، وأن لم تقدري فهناك الكفارة. وأنا أجيب أن شاء الله سأقدر.

في أحد المرات كنا أنا وإيمان مرهون نتحدث عن صيام رمضان، ووصلنا لصيام المريض، وكررت ما قاله أبي. أجبتها أعرف كل ذلك، لكن أشعر بالسوء من التفكير في الإفطار في شهر رمضان وأنا في هذه السن. قالت الدين يسر، أنتِ تتعبين نفسكِ. فآثرت الصمت.

عديلة أم حسين شخصية فريدة من نوعها في حياتي، تتمتع بعاطفة جياشة ولاحظت ان من يرتبط بها تحمل همومه، بالإضافة إلى ذلك لديها شخصية إيجابية ولطيفة في وقت واحد. أنا لدي بعض ردات الفعل صادمة في بعض الأحيان، فمثلا إذا كنت اتحدث إليها وأنا شاردة الذهن، كأن تسأل سؤال فأجيب بطرق مختلفة على حسب حالتي الصحية، بعض الإجابات لا تعجبها، حتى لو أجبت إجابة صادقة لكن على سبيل المزاح تلتقطها بسهولة..

في أول يوم من شهر رمضان، دخلت حساب العصبة في الواتس اب فقرأت منشور لأم حسين تتحدث فيه عن صيام المريض. فضحكت بصوت مسموع لأنه الجميع يعرف ذلك، فقلت يبدو أن أمثالي تكاثروا فسببنا إزعاج للجميع ...
في اليوم التالي الدكتور جاسم الهاشل تحدث عن صوم رمضان، كنت أستمع إلى ما يقول كمتابعة فضولية.
بعد انقضاء مدة فتحت الواتس اب فقرأت محادثة لأم حسين في الخاص، عن الصيام فضحكت وعدنا لنفس الحوار..

أشعر بأني أصبحت مزعجة لعائلتي ولجميع صديقاتي، بسبب عنادي الدائم. لكن من الصعب أن تصلكم مشاعري، لعدم قدرتي على التعبير. يأمرني الجميع بالأفطار، أقدر مدى خوفكم على ومحبتكم لي مع أسفي لكم على ماتسببته للجميع. 

قبل دخول الشهر الكريم بدل الدكتور محمد القديحي الدواء إلى عقار أعلى، ولم يكن موجودا في أي مكان، فاضطررت لأخذ عقار منخفض.

في الثامن من شهر رمضان 1439 ھ، في وقت الافطار تناولت العقاقير الطبية بدون وعي مني، بسبب الألم بالجزء الأيسر من جسمي. لم أدرك ذلك إلا بعد مرور ساعه ونصف ، تناولت عقار سيفرول حبتان ، مع ثلاث عقاقير مسكنه. لحسن الحظ لم يسبب مضاعفات ...

بعد النصف من شهر رمضان بدأ جسمي يضعف ، أطرافي ترتجف وطريقتي في المشي تبدلت ، في اليوم التالي بعد آذان المغرب تناولت العقاقير ، و لم أستطع النهوض لتأدية الصلاة . جلست مدة لا بأس بها ، وحاولت النهوض لم أقدر .فصليت و أنا جالسه ، عندما أنهيت تأدية الفريضة ، شعرت بالضيق . فاتصل والدي بالدكتور محمد لكن لم يجيب.

في ليلة التاسع عشر عاد جسمي لمرحلة ما قبل اكتشاف المرض، ترنح و طريقتي في السير كانت بمحاذاة الحائط، ومرت أيام بدون قراءة ، أدى ذلك إلى انزعاجي .فعاد والدي للبحث عن العقار الذي وصفه الدكتور محمد و لم يجده. فقال لي زهراء كل الحلول الممكنة لم تحقق نتيجة، لا أريد أن نعود لحالتك قبل اكتشاف المرض و الدكتور محمد لا يرد على المكالمات. فأمرني بالإفطار ، و القضاء لاحقا. وافقت على مضض.

في الليلة التالية كنت سعيدة ، لأن الدكتور محمد أجاب و تلاعب بالعقاقير . تناولتها في وقت السحور .و في اليوم التالي كانت النتيجة سلبية. فأضطررت للرضوخ إلى الواقع وخاصة عندما استمعت إلى رأي أحد الشيوخ و الأطباء .
أما في ليلة العيد زارني صديقي الثقيل وهو الألم المزعج ، وبسبب رغبتي الشديدة في النوم . كنت أضع الوسادة أسفل الظهر و أعود إلى النوم، فيوقظني . في المرة التالية دهنت موضع الألم بكريم مسكن ونمت ،في المرة الثالثة تمارين طبيعية. و الرابعة البكاء.كان هذا ما مررت به في تلك الليلة.

في فترة ازدياد عوارض المرض المجهول، كتبت في المدونات السابقة أن حالتي النفسيه كانت سيئة جدا، و تكرار إغلاقي للهاتف المحمول لمدة تتراوح بين الأسبوع إلى الأسبوعين. قبل موعدي الأخير في المستشفى الخاص، اتصلت بي أحدى الصديقات . أخذت تسأل و أنا أجيب، زهراء كيف حالك؟ أنا:الحمد لله،صديقتي :هل أنت على ما يرام؟ أنا: نعم. صديقتي :ماهي نتيجة نقص فيتامين د؟ أنا :لا أعرف، جسمي من سيء لأسوء. صديقتي :( وعسى ان تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). لعله خير. أجبت : أن شاء الله. صديقتي : متى موعدك مع الطبيب؟ أخبرتها، أنتهت المحادثة.

بعد الموعد مع الطبيب في المستشفى الخاص ،أغلقت هاتفي المحمول لأكثر من أسبوع. جاءت لي أمي، زهراء هل صحيح أنك أغلقتي هاتفك المحمول لمدة أسبوعان؟! أجبت : نعم. تفاجأت و قالت : صديقتك اتصلت على هاتفي وكانت قلقه جداً! أنا : كيف وصلت إلى رقم هاتفك المحمول؟ أمي: لا أعرف، اتصلي بها الآن. أخذت هاتفي و فتحته، قبل أن تتم محادثتي مع صديقاتي من الجامعه. وجدت لها العديد من المكالمات.

في الماضي قبل الشلل الرعاش ، كنت شديدة الحساسية لأي كلمة سواء كانت موجهه لي أم لغيري . أما الآن أشعر في بعض الأحيان بأن الإحساس يختفي، ف في الماضي عندما يسأل أبواي عن صحتي ، أجيب الحمد لله . فيسألان والألم . بدون تفكير أجيب أعتدت عليه. لم ألاحظ مشاعرهما . و لم أدرك ما تخلفه هذه الجملة من حزن في قلبيهما ،إلا عندما كنت مع صديقة نتبادل أطراف الحديث في عدة مواضيع ، إلى أن سئلت عن وضعي الصحي . فأجبت بخير ، والألم لا يزال، واعتدت عليه . فشعرت بإنزعاجها و حزنها ، فسألتها : مالذي أزعجك ؟!. قالت: من كلمة اعتدت على الألم . أجبت: لا أعرف لماذا تأثرتي و أنا لا ؟! قالت :لأنها مؤلمة جداً، أين كنت ِ وكيف صرت ِ الآن؟! .فتوقفت عن التفوه بها أمام والداي .

في الماضي كانت تثيرني بعض ... التي يقلنها لي صديقاتي،في أحدى المناسبات قبل اكتشاف المرض . كانوا صديقاتي يهنئن بعضهن البعض  و شاركتهن . فقالت زينب : مبارك زهراء ، رزقك الله الصحة و العمر المديد ، و تبعها البقية . فشعرت بالضيق (يالله) فأجبت أتمنى أن يرزقنا جميعا الصحة وللمجموعة العمر المديد عداي ،لقد تعبت لا أرغب في العيش أكثر ، الحمد لله ماعشته يكفيني . ذهل الجميع ، فتكلمت أم محمد بعد مرور دقيقتين : زهراء لما كل هذه السلبية؟!  أنت مثقفة و تتفوهي بهذه الكلمات ،يجب أن تكوني قوية لمقاومة المرض ، أقرأي القرآن الكريم و الأدعية. أصبري إنَّ اللهَ عَزَّوجَلَّ إذا أحَبَّ عَبداً اِبتَلاهُ.. في الحاضر عندما تقول لي أحدى الصديقات هذه الكلمات، أشعر بالضيق لتذكري كلماتي الغير عقلانية.

في الفترة التي تمكن مني الشلل الرعاش، كانت هناك أمور لم أستطع فهمها أو تفسيرها . مثل ، عند سقوطي و عدم قدرتي على الحراك ، كان شعوري الخوف و الحزن . خصوصا عندما أكون لوحدي ،  لكني لا أستطيع البكاء.

في أحد الأيام كنت في غرفتي مستلقية على السرير ، لشعوري بالتعب الشديد، و أخواتي متفرقات في المنزل . فحاولت النهوض لأني أشعر بالعطش ، لكن لم أستطع . ناديت أمي ، لم يسمعني أحد لضعف نبرة صوتي. فعدت إلى  محاولاتي للنهوض، لكن دون نتيجة . استسلمت إلى خوفي و أفكاري السيئة و بكاء مكبوت ، إلى أن جاءت أمي تبحث عني. فحاولت مساعدتي على النهوض ، فأكتشفت أن درجة حراراتي مرتفعة . أخذت الهاتف للاتصال بوالدي للذهاب إلى المستشفى ، فرفضت لعجزي عن الحراك ( تكرر رفضي للذهاب إلى المستشفى في مرات عديدة بسبب عجزي) ...

و أيضا انفعالي الشديد حتى لأتفه الأسباب، فمثلا عند انزعاجي من أمر ما حتى لو كان بسيط أنسحب. كانت قاعدتي التي تشبثت بها ، أقرب إلى الدراما ( لقد خسرت أهم شيء لدي وهي صحتي ، لا يهمني لو خسرت أي شيئا آخر) و تتابعت الخسارات الواحدة تلو الأخرى. قيام الليل ،الصديقات و جهازي الحاسب و وثيقة تخرجي . الآن بات لدي يقين بأني كنت حمقاء في تلك الفترة.

في عام 2017  تمت دعوتي من أحد الصديقات للانضمام لأحد مجموعات القراءة ، فسألت عن قوانين المجموعة، فلاحظت الاختلاف بين المجموعتين. كعادتي اندفع بحماس لأي جديد، فقررت قبول الدعوة ، دخلت و ألقيت التحية بالمجموعة لم يجبن ، بل استقبلت بتوبيخ المديرة للعضوات فلانه و فلانه وفلانه وهن صامتات . وبعد ساعتين تكرر نفس الفعل لسبب آخر، كان موقفي ماهذا؟! يبدو أني أوقعت نفسي بمشكلة. فأصبحت أتابع المجموعة ، لا نقاشات سوى مهاجمات المديرة للأعضاء. إلى أن قرأت رسالة خاصة من المديرة لي، تسأل لما لم نرى مشاركاتك مع المجموعة للآن؟! أجبتها ليست لدي فكرة عن سياسة مجموعتكم، تابعت المجموعة لأصل إلى شيء لكن دون جدوى. فقالت: ألم تخبركِ صديقتك بقوانين المجموعة. أجبت: نعم. لكن لم تصف المجموعة بدقة، لذلك حتى أوفر عليك الوقت سأنسحب. صمتت مدة عادت فكتبت أنت مطروده، قبل أن تفكري في الانضمام إلى أي مجموعة أفهمي قوانينها.
 أجبت: أن شاء الله، لكنني أرغب في تقديم نصائح لكي. يجب أن يكون لديكِ عضو دائم يعرف قوانين مجموعتكم بدقة، حتى يشرحها للزوار الجدد في صفحة خاصة، حتى لو لدى الزائرة فكرة. نصيحتي الثانية لكِ هي من الخطأ أن تجعلي الأعضاء القيام بتعبئة نماذج المسابقة، يجب أن تكون هذه المسابقة تحت إشراف شخصية متمكنة من برامج الكمبيوتر، ويجب عليها أن تشرح للزوار الجدد. ولأني على علم بأنها من متابعين عصبة القراءة على الانستجرام ، كتبت لها العصبة أفضل من حيث الإدارة و النقاش، فانسحبت قبل إتمام الأسبوع الثاني..

عندما سئلت صديقتي عن السبب أجبت بالضحك .سألت زهراء لما تضحكين؟! . أجبت أنها المرة الأولى التي أطرد فيها ، فضحكنا سويا و قلت لأنه مجموعتكم خاملة لا تناقش ، و المسؤولة تتعامل بحزم مع الأعضاء، لا تهتم ربما تكون الفتاة التي توبخها تعاني من مشكلة. هي مجموعة قراءة وليست مجموعة عسكرية، مجموعة عصبة القراءة أفضل .سألت : كيف ذلك؟ أجبت إيمان دعبل شخصية قيادية، و تحترم العضوات و لطيفة جداً ، و عضوات العصبة نشيطات ماشاء الله دائما نقاشات الكتب مفتوحة. بفضل مجموعتكم اتخذت قرار لن أعود إلى الانضمام لأي مجموعة قراءة في المستقبل.

أما بالنسبة لقراءة الشعر في الماضي قبل انضمامي إلى عصبة القراءة، قرأت ديوان الجواهري و ديوان لشاعر من القطيف(نسيت إسمه) ، و ديوان الشاعر فاروق جويدة. بعد انضمامي إلى المجموعة أصبح الشعر أساسي، لا أستطيع قراءة كتاب من غير ديوان شعري...

الفحوص الطبية جميعها مزعجة ، لكن على درجات متفاوتة. أشعة الرنين المغناطيسي أجريتها حوالي سبع مرات ، لم تكن تجربة مخيفة، لكن في المرة الثامنة ، طلب الدكتور محمد أشعة بصبغة . فبحثت في الشبكة العنكبوتية كعادتي ، و قرأت الآثار الجانبية لها . و لم أشعر بالقلق ، لأني اعلم أن تلك مجرد احتمالات. ذهبت الى المستشفى لإجرائها، و تم حقن ساعدي بسائل الصبغة و  دخلت الجهاز، فأحسست بحرارة في جسمي ، و الدموع تتساقط كشلال دون رغبة مني . بعد أن انتهى الطبيب من إجراء الأشعة ، خرجت و كانت حالتي يرثى لها ، مما أدى إلى خوف أمي و أبي .

نتج عن كثرة زياراتي للمستشفى تكوين الصداقات مع الطاقم الطبي . في كل زياراتي لمركز العلاج الطبيعي ، كنا نناقش الكتب بشكل عام ، وحالتي الصحية بشكل خاص . من الكتب التي ناقشنها كتب أوليفر ساكس ، عقل غير هاديء ، ديوان الجواهري ، ديوان فاروق جويدة ، الساعة الخامسة و العشرون ، و الكثير ... .
أكثر الكتب التي ناقشنها ولم نصل إلى نتيجة كانت كتب تطوير الذات، في يوم 5 مارس 2017 أنهيت كتاب من كتب تطوير الذات وكتبت ملخص  ، و أدرجته  في حساب عصبة القراءة على الانستجرام، فقرأته المعالجة الخاصة بي ع.س . في اليوم التالي أخبرتني أنها لم تحب ما كتبت ، تحدثت كثيرا لكنها لم تقتنع ، و بسبب وجود المرضى لم أستطع التحدث أكثر. بما أنا معالجتي العزيزة من زوار مدونة اختلاجات الروح ، سأكتب السبب لعلاقته بالشلل الرعاش.

عند انضمامي إلى عصبة القراءة في منتصف شهر نوفمبر 2014 ، كنت قارئة مبتدئة و لازلت ، كان كتاب العصبة الشهري هو قواعد العشق الأربعون لإليف شافاق . كان نقاش الأعضاء مميز، بعض ما كتبوه لم يكن مفهوم لدي. كانت حالتي الصحية الجسدية والنفسية في تلك الفترة سيئة ، حاولت البحث عن حلول . ومن ضمن الخيارات التي فكرت بتنفيذها ، عدم الالتزام بنوع واحد من الكتب كالسابق ، يجب أن أنوع في اختيار و قراءة الكتب لأنسى الواقع ...

كنت أحتاج إلى تحسين حالتي النفسية ، و من خلال البحث عن الكتب وجدت كتب تطوير الذات ، أعجبني ما كتب عنها فقررت قرائتها. قرأت العديد من كتب تطوير الذات، كنت أحاول التعلق بما كتب فيها لإنقاذ نفسي ،في البداية كان أثرها جيد .
كتب تطوير الذات مهمتها كتابة الأخطاء لتساعد الناس لتخطي عقبات الحياة ، لكن أنا حدث لي العكس فقد أثارت الذكريات السلبية من الماضي البعيد (ذكريات نسيتها)، نتج عن ذلك أن ازدادت حالتي النفسية سوء. وكنت اتساءل لماذا دائما أسير بالطريق الخاطئ؟! . القرآن الكريم جعلني متماسكة قبل كتب تطوير الذات (( وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ۙ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (82)) ، سأتركها و سأعود إلى تكثيف قراءة القرآن لأنه مفعوله أقوى من كتب تطوير الذات.( لست ضد كتب تطوير الذات ، ورد في القرآن الكريم آية ( فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6) أظنها إجابة كافية و إيجابية.

في يوم ما ذهبت إلى مركز العلاج الطبيعي و أنا بعالم آخر ، سلمت على ع.س و قالت أجلسي ، جلست و أنا صامتة .قالت : زهراء مابكِ ؟! لستِ على عادتكِ . أجبت : قبل نصف ساعة كنت بعيادة العيون ، أزعجني حديثه . قالت : ماذا قال ؟. أجبت : لا أعرف ! قال عيناي توجد بها مشكلة ، أن الجفن لا يرف ، وعيناي جافة . و القرنية ليست طبيعية ، و تحدث مطولا لكني تعمدت أن لا اسمع . قالت : هل وصف عقاقير لعلاجها ؟! أجبت: نعم . قالت : ممتاز. لماذا أنت منزعجة ؟ أجبت : كنت أحب عيناي ، وفي كل العيادات التي زرتها ، جميع الأطباء أجمعوا أن هناك مشكلة صحية فيها . و المؤلم أن طبيب العيون يؤكد أن السبب الغدة، و طبيب الباطنية ينفي. و انا تائهة بينهما. قالت : لا زالت عيناك ِ جميلة. أجبت :آسفة لكن ليس وقت المجاملات.قالت: أنا لا أجاملك ...

قالت متدربة المعالجة الخاصة بي ، لم أقابل مريضة مثلك . سألت : لماذا؟. أجابت : تناقشين الكتب التي تقرأيها بعقل منفتح ، لا أشعر بالوقت معك . أجبت: شكرا لك، كنت أخشى أني تسببت بصداع لكِ ، بسبب ثرثرتي عن الكتب .قالت لا على العكس، استفدت كثيرا.

زينب علي شخصية رائعة و محبوبة لدي ، لكنها كانت محيرة منذ بداية انضمامي للعصبة!. كان إحساسي خلف كل محادثة بيننا ، أن هناك حزن و ألم غامض في شخصيتها . لكنها لا تفصح ، و عندما نعود إلى المحادثة أقول قد تكون أوهام. ظلت هذه التحليلات تأتي مع كل محادثة وتغيب، و الصمت المشترك بيننا كان سيد الإجابات.
فهي كانت تسأل عن صحتي بإستمرار ، و هي أول من قررت زيارتي و شاركتها حورية أحمد و سلامة جعفر. و هي أول من سعى لانتشالي من العزلة . كنت قبل ذلك أرفض أن يراني أحد ،  حتى بعد العلاج بفترة استمرت تلك الرغبة ، بسبب تغير وجهي و جسمي. عندما أخبرتني برغبتهن في المجيء ، لم أستطع الرفض لأنها المرة الأولى التي تتطلب رؤيتي. شخصيتها جديرة بالإعجاب، أليس كذلك؟!
بعد مرور مدة من الزمن قرأت محادثة كتابية بينها وبين أعضاء العصبة، مفادها الاطمئنان على صحتها . شعرت بالقلق فقررت سؤالها ، لكنها لم تجيب بل انتقلت إلى موضوع آخر .احترمت رغبتها ولم أسأل. لكن بعد مرور فترة علمت أن حالتها الصحية غير جيدة ، و أنها ستجري عملية في عينيها. كنت أتخيل أن حالتها مؤقتة و بسيطة وهي ليست السبب في حزنها ، فقررت الإتصال بها و السؤال عن حالتها . رغبتها في عدم الحديث ، أثارت مخاوفي ،و أصبت بالأرق في تلك الليلة. في اليوم التالي قالت أحد الشخصيات في المجموعة إنها مصابة بالسكر !. ادركت حينها أن إحساس المتألم بالمتألم قوي (سبحان الله) الصبر و القوة التي تتمتع بهما ،مثيرة للإعجاب .

صديقاتي طلبن  زيارتي عند وصول المرض لمراحله الأخيرة، أنا رفضت بشده.  في عام 2017 ذهبت لزيارة زينب أحمد بسبب مرض والدتها استقبلتني بحرارة، لكنها لم تكن كالسابق .صدرت منها بعض السلوكيات لفتت انتباهي. فمثلاً جلست أنا في الداخل لكي أرى والدتها وهي جلست بجانبي ولكن بطريقة تجعلها غير مرئية بالنسبة إلي، علماً بأن الجهة المقابلة فارغة. وعند محاولتي الالتفات نحوها كانت تتحاشى النظر إلي، في أول مرة اعتقدت أنها تصرفت بشكل عفوي. و أثناء المحادثات لاحظت تكرار نفس ردة الفعل بطرق مختلفة، كأن تستدير وتحاول العبث بشعرها، أو تنزل رأسها للأسفل للعبث بشيء بجانبها. قبل خروجي نظرت إلى جهتها وأنا أحدث نفسي. قرأت ما بداخلك أنت الآن متأثرة جداً، كيف لو رأيتني في الماضي و أنا على حافة الانهيار؟!. كان رفضي لطلبكن بزيارتي ليس سيئاً بشكل عام . رغم ماحدث الأن، لكنني لا أشعر نحوك بالانزعاج. أني أفتقد البقية لكن أشعر بالارتياح و السعادة، لأننا ما زلنا صديقات. وعند خروجي قلت لها أتعرفين فرحت كثيرا بزيارتك، و افتقد البقية اشتقت للجميع ،ولم افتح معها موضوع الزيارة ابدا.

في بعض الأوقات عندما يشتد الألم ، في الفترة الأولى من العلاج ( لم يصف الدكتور محمد مسكن) كنت أدخل إلى الواتس أب و أجري محادثة كتابية مع صديقاتي من الجامعة ، و نتبادل النكات و المواقف السخيفة التي مررنا بها في أيام الدراسة لنضحك سويا ، كحل لتهدئة الألم عن طريق رفع هرمون الأندروفين ...

ألاحظ على نفسي دائما التذمر من مواعيد عيادة الأعصاب ، ليس بسبب الدكتور محمد بل بسبب الشلل الرعاش . فمثلا قبل الموعد يكون شعوري القلق و التردد ، وعدم الرغبة في الذهاب إلى المستشفى. لكن في النهاية أذهب ، لأن رغبتي الشديدة في التخلص منه أقوى.

في أحد الأيام ذهبت إلى أحد الدوائر الحكومية لتجديد بطاقة الهوية الشخصية، و في أثناء تعبئة بياناتي الشخصية .لاحظت سوء خط يدي ، لكن أكملت التعبئة و ذهبت إلى الموظفة رأتها ، وقالت : ماهذا الخط ؟ أنه شخابيط . أجبت: أنا مصابه بالشلل الرعاش ، و يبدو أن العقار لم يتفاعل في جسمي للآن . قالت : يالله أنا آسفة، لما لم تخبريني لكي أساعدك ؟! أجبت: شكرا لك ِ .

في عيادة البصريات ممرضة فوضوية و وق... ، ذهبت إلى موعدي في المستشفى قبل نصف ساعة وجلست أنتظر. حان وقت دخولي ولم تنادي الممرضة بإسمي، أدخلت غيري فلم أبدي ردة فعل، خرج المريض فنادت آخر. انزعج والدي وذهب لينبهها بتجاوز موعدي، فنادتني وهي تتذمر بصوت عالي جدا. دخلت على الطبيبة لم ألقي التحية، لأنها لم تصمت فسألت الطبيبة عن السبب. أجابت بصوت عالي أدخلت مريضين مكانها، الأول تأخر عن موعد الصباح، والثاني لا يستطيع المجيء الساعة الواحدة. قالت الطبيبة وهذه تعاني من الباركنسون، لا تستطيع الجلوس على الكرسي وقت طويل. يجب أن تتعاملي مع المرضى بإنسانية، خرجت من العيادة كما دخلت بصمت، والممرضة مستمرة بالتذمر لوحدها...

تحياتي للجميع

لا يوجد تعليقات

أضف تعليق