صباح/ مساء الخير
عند دراستي لتخصص التاريخ في جامعة الملك فيصل ، كونت الكثير من العلاقات من مجموعة التاريخ ومن المجموعات العلمية الأخرى . لكن سأكتب عن مجموعتي ، بالرغم من اختلافنا في بعض الأحيان و شجاراتنا ، إلا أنها بقيت صامدة إلى الآن.
أول صديقة تعرفت إليها شخصياً هي أم هادي، كان بيننا الكثير من الأمور المشتركة كالاهتمام بقراءة الكتب و متابعة آخر ما وصلت إليه الموضة ، و إخفاء بعض الجوانب في حياتنا . كانت شخصية مذهلة و لا زالت ، فهي تتمتع بأخلاق مميزة ، طوال مدة بقائها في الكلية لم أسمعها تنتقد أو تسيء إلى أحد.
بعد مرور ثلاثة أشهر ( تقريبا) من الدراسة قررت أم هادي الإنسحاب ، صدمت حاولت ثنيها عن رأيها قائلة لها : الدراسة مهمه لنا ، لا نعرف ما يخفي لنا المستقبل . قالت : لا أستطيع مواصلة الدراسة ، سأعمل على إيجاد معهد أو أي شيء آخر ليتناسب مع حياتي العائلية . قلت لها: تستطيعي أن تنمي تلك المواهب في العطلة الصيفية. قالت : زهراء في كل صباح و قبل خروجي ، طفلي هادي يبكي و يتعلق بملابسي . قلبي ضعيف أمامه . قلت : كل الأطفال مثله . قالت : أتمنى أن ترتبطي سريعا ، و تنجبي حتى تتفهمي مشاعري . قلت : أنت الآن قررتي الإنسحاب، و أنا أشعر بالحزن الشديد لسماع هذه الأخبار ، و لا أعرف ماذا سأفعل بعد انسحابك؟!.قالت : ماذا تقصدين ؟ قلت : اعتدت على وجودك . ففي الصباح أحدنا تنتظر الأخرى ، وفي أثناء المحاضرات معي ، لا نترك بعضنا إلا إذا انتهى وقت المحاضرات ،تعلقت بك ِ كثيرا . قالت : و أنا أيضاً، سنبقى على تواصل و انسحبت .
في البداية كان الأمر صعب ، عندما أدخل إلى الجامعة أشعر بالحزن و الفراغ، وعند ذهابي إلى أماكن نجلس فيها كنت اشتاق إليها، بقيت على هذه الحال مدة، حتى بعد انضمامي إلى مجموعة جديدة .
بعد مرور يومان من انسحاب أم هادي جاءت زينب : زهراء . أين أم هادي؟ قلت: انسحبت . قالت: لماذا ؟ قلت: من أجل هادي . قالت : ولما لم تنضمي إلينا ؟!. هيا بنا إلى الفتيات . و ذهبت معها و جلسنا سويا . لكن في اليوم التالي لم أذهب ، فجاءت زينب أحمد فقالت : لما تجلسين هنا لوحدك ؟ لنذهب معا إلى المجموعة . وعدت إلى المجموعة .
أفراد المجموعة هم ؛ زينب و زينب أحمد ، و أم محمد و أم علي و أم زينب . لم نهدر دقيقة في ممارسة حياتنا بشكل طبيعي. كالسخرية من بعضنا ، و القيام بمغامرات داخل مبنى الجامعة ، ودخولنا للمنطقة المهجورة، و اللعب بأشكاله ...كنا مختلفات في أمور كثيرة ، في الميول و العادات، والأفكار .لكن بالنظر إلى السلوكيات أجد بعض من نفسي في أم علي.
في يوما ما كنت أستعد للذهاب إلى الكافيتريا ، و قلت: زينب هيا بنا لنذهب . أجابت : لن أذهب . قالت زينب أحمد : لماذا ؟!. قالت : لأن زهراء تتوقف كل ثانية لتلقي التحية على شخصية جديدة ، لم تترك أحد لا تعرفه . إذا كنا نسير معا ، لا أعود للمنزل و قدماي سليمة . تجاهلت و قلت : زينب هيا بنا . أجابت : لا أريد. قلت : أجلسي سأعود.
كان للمجموعة زميلة تنفعل لأتفه الأسباب، تهاجم باللسان و اليد . في أحد الأيام كنا جالسات نناقش في أمور الحياة ، فسمعنا صراخ و سباب ، فأنتبهنا إلى مصدر الصوت. كانت زميلتنا تتشاجر مع زميلة أخرى لنا . تحركت زينب أحمد بسرعة لتهدئتهما، لكن الفتاتان استمرتا في الصراخ و الشتائم و انقضت أحدهما على الأخرى بالضرب ، و زينب أحمد تحاول إبعادهما عن بعضهما لكنها لم تستطع ، فقامت الأخرى بترك زميلتنا وهي تتوعد بفصلها من الجامعة. فجاءت زينب أحمد غاضبة وهي تقول ، أنهم أولاد . فإنتبهت إلى قدمها كانت تنزف ، فقلت : زينب هناك دماء في قدمك . قالت بسبب هاتان الشقيتان فأخذت حقيبتها و غادرت مسرعة . و جاءت زميلتنا تسأل عن زينب ، فأجابت زينب : غادرت وهي غاضبة ، ماهو سبب خلافك مع الفتاة ؟! فأجابت، و وبختنا أنا و زينب : لما لم تتحركا لتساعداني ؟! أجبت: لا أريد لأنني هنا لأدرس، و ليس لأتدخل في خلافات الفتيات . تكلمت زينب : لا أريد إنذارات في ملفي ، أذهبي لزينب أحمد و أحضريها الآن . أتممت : لا تأتي إلا معها .
كان يوم الاثنين في الجامعة مخصص للنشاط، وكانت مدته ساعتين. قامت أدارة قسمنا بوضع إعلان لجذبنا إلى النشاط . لكل فتاة تحضر النشاط طوال السنة درجتين، ولا يثبت حضورها إلا بإتمام الساعتين كاملة وتوقيع المشرفة على البطاقة. فذهبنا إلى قاعة النشاط، كانت ممتلئة جدا، جلست أنا بجانب زينب و أم علي. كانت الدكتورة تلقي محاضرة عن المخدرات و أثرها السيء على الشخص وعلى المجتمع. و لم تكتفي بذلك، بل عرضت فيديو عن حالات شباب مدمنين، مما أدى إلى اضطربي من تلك اللقطات البشعة، لم استطع المشاهده فأخرجت دفتر محاضراتي، و أخفيت وجهي عن الشاشة. فألتفت إلي صديقتي المشاكسة زينب، فقالت زهراء ماذا بكِ؟! أجبت : لا استطيع المشاهدة، اللقطات تثير الاشمئزاز و الخوف. فضحكت وقالت : أم علي أنظري إلى زهراء! وبدأ وقت السخرية و الضحك، أنها عادية أنظري إلى الشاشة، لقد تغيرت اللقطة. فأنزلت الدفتر و رفعته في نفس الوقت متذمره، زينب ماهذا؟!. فضحكت هي و أم علي وقالت لم أرى زهراء بهذا الشكل أبداً. فأنزعجت وأجبت:أنا لا أشاهد أفلام الرعب والعنف، فكيف هذا؟! . فاستمرتا بالضحك فقلت : اتمنى ان تطردا من القاعة بسبب هذا الضحك. و خرجنا من قاعة النشاط و لم نعد إليها نهائيا.
يوما ما انقسمت المجموعة إلى أثنتين ، فصرنا أنا و زينب و أم علي في مجموعة . كان لدينا فراغ لمدة ساعتين ، فقررنا الذهاب إلى المنطقة المهجورة في الجامعة . فذهبنا إلى هناك و انتبهت إلى وجود فتاتين خلفنا . و في أثناء سيرنا سمعنا صوت قوي و صراخ ، استدرنا إلى الخلف فوجدنا أحد الفتاتين وقعت ، وطئت غطاء البالوعة الصدأ و انكسر وعلقت فيها . تراجعنا اليهما للمساعدة، كانت الفتاة تحاول أن تساعد صديقتها على الخروج، لكنها عالقة . فقلت يجب أن نستدعي الطبيبة للمساعدة، فذهبنا مسرعات إلى العيادة . و شرحنا الوضع بإختصار إلى الطبيبة، فكان ردها هاكم هذا الكرسي المتحرك و أخرجوها من هناك و تعالوا بها إلى هنا . اعترضت قائلة : لكننا لا نعرف الإسعافات الأولية ، ماذا لو حدث للفتاة مكروه بسبب جهلنا. أجابت: تصرفن . خرجنا مسرعات إلى الفتاة ، و أخرجناها بذكر الله ، لكن الفتاة رفضت أن نسير بالكرسي المتحرك إلى العيادة. فقالت لها زينب : لماذا؟! قالت وهي تبكي : الفتيات سينظرن إلي ، لا أريد . أجبت : وماذا في ذلك . هل ارتكبت جريمة ؟!(بعد أن مررت بعوارض الباركنسون، فهمت إحساسها في ذلك اليوم. كان تفوهي بتلك الكلمات سهل!) قالت : لا أريد . تكلمت صديقتها : الوقت غير مناسب لهذه الكلمات . لم تجب قالت أم علي : أذكري الله و صل على النبي ، و دعينا نذهب بك إلى العيادة. قالت: لا أريد .قالت زينب: ما الحل برأيك أن تبقي هنا متألمة خشية نظرات الفتيات . أم تذهبين لمعرفة ما أصاب جسمك و تخففي الألم؟ . قالت : لا أريد . فقلت أنا لدي الحل : ما رأيك لو عملنا على تغطيتك من جميع الجهات ، عدا الجهة الخلفية لكي ترى من تقود الكرسي . فوافقت بعد عناء .
في أحد الأيام لم أذهب إلى الجامعة بسبب التعب، ذهبت إلى المستشفى. فطلبت من الطبيب كتابة عذر طبي لتقديمه للجامعة، عدت إلى المنزل فأتصلت الصديقات الواحدة تلو الأخرى. يتسائلن عن سبب غيابي، فقلت لهم أني متعبة، ولم أضف شيئاً على ذلك. في اليوم التالي وقعت ورقة العذر الطبي على الأرض، فالتقطتها زينب أحمد. قالت أنها لك زهراء، لكنها لم تسلمني أياها بل قرأتها. وذلك سبب اضطراب لي، لأنه المجموعة لم تكن لديها فكرة عن تترددي على المستشفى ،لكني بفضل الله نجوت.
أثناء ذهابي أنا و زينب إلى شعبتنا ، رأينا فتاة من الشعبة الأولى، شعرت بأنها صورة من صديقتي أم هادي، فناديت زينب : انظري إلى الفتاة! قالت: أي فتاة؟ قلت: هناك أنها صورة من أم هادي. قالت : بالفعل هناك تشابه بينهما، قلت: سأعود . فذهبت لأحد الزميلات من شعبتها فسألتها، من هذه الفتاة؟!. فقالت : أنها آمنة من مدينتك. كيف لا تعرفينها؟ أجبت: لأن مدينة القطيف يوجد بها منطقة واحدة ، وحي واحد. وبعد سؤالي عنها أصبحت أراها في كل مكان و ألقي التحية عليها. إلى أن أصبحنا صديقات..
أما أبتهال علي من الشعبة الأولى، لا اتذكر كيف تعارفنا للأسف. ما أتذكره أنها كانت مرحة و جديه. في أيام الدراسة ( بحوث، ملخصات، تحضير، مراجعات) طلبت مني طلب غريب! . كانت تريد أن أكتب يوميا رسالة عني أو عنها ، و أرسلها عبر البريد الإلكتروني.حاولت تجاهل ما طلبت ، عادت معلنه أنا زعلت منكِ .
زينب مجددا و مجادلاتنا الدائمة ، كنا جالسات نتحدث عن تاريخ المغول . تكلمت زينب: الاستاذة المعيدة لهذه المادة ترتدي حذاء ذو كعب عالي جدا. لا أعرف كيف تستطيع السير به؟! فقالت أم محمد : إعتادت على السير به .فقلت : مخاطر الحذاء ذو الكعب العالي لا تظهر الآن ، قصر القامة ليس ذنب لتؤذي نفسها بهذا الكعب . فقالت زينب : زهراء لنقم بالوقوف إلى جانبها ، لنرى كم طولها بجانبنا. أجبت : منذ دقائق قلتي إنها ترتدي حذاء ذو كعب عالي. ماذا حدث لكِ ؟! . قالت : زهراء فلنجرب . فقلت للمجموعة: ظننتها تمزح ! و بعد إلحاح ذهبنا إلى قسم التاريخ نبحث عن الاستاذة ولم نجدها. فنسينا الموضوع إلى أن ألتقينا صدفة نحن الثلاثة أمام باب القسم ، بسبب الإزدحام أصبحت الاستاذة بيننا ، فألتفت إلى زينب وجدتها تضحك . ذهبت إلى المجموعة بوجه ضاحك و قالت : بنات ، زهراء أطول من الاستاذة!.
في يوما ما وقبل المحاضرة كانت زينب تقارن خطوط اليد للمجموعة ، فقالت خط يد أم علي يقرأ، وخط يد زهراء صغير جداً ، بعض الكلمات غير واضحة . قلت لها نعم خط يدك الكبير . فأنهينا المحادثة بسبب وصول المحاضرة.
في السنة الرابعة كان الاضطراب في يدي بدأ يظهر بوضوح ، ذهبت إلى المستشفى الخاص فكتب الطبيب عقار كونكور ، قائل لديها مشكلة في الغدة. و أثر ذلك على علاقتي مع المجموعة . أردت البقاء بعيدة عن المجموعة لمدة، حتى أحاول تجاوز الحالة لكن لم استطع . و ازداد الوضع سوء عندما لم يحقق العقار نتيجة (تحولت إلى فتاة عدوانية) . فحدث خلاف بيني وبين أحد الفتيات، بسبب بحث جماعي ، و اتخذتها ذريعة و انسحبت من المجموعة، حاول الفتيات إصلاح الوضع، لكن دون جدوى. من خلال قرائتكم إلى المعاناة، تستطيعون معرفة من هي المعرقلة للإصلاح.
لكن المجموعة حرصن على إرضاء الطرفين، و بسبب سوء حال يدي ، كنت أخشى معرفتهن بالأمر ، و السؤال عن سبب ذلك و أصبح في موقف حرج و لا أستطيع الإجابة ، فابتعدت أكثر عن المجموعة . فأصبحت لا أراهم إلا في المبنى .
في أحد الأيام كنت أرتب أوراق بحث التخرج و أكمل الناقص ، فجاءت زينب أحمد فقالت : ماذا تفعلين ؟ أجبت : أرتب بحث التخرج. فقالت : هل أنت بحاجة إلى المساعدة. فقلت : شكراً . فأخذت مسودة البحث لتصفحها ، و قالت : زهراء من كتب هذا ؟! أجبت: أنا . قالت: هل أنت متأكدة ؟!. أجبت: نعم . لماذا؟ . قالت: الخط جميل ومنظم و يقرأ ، هناك فرق كبير بين الخط في دفتر محاضراتك و مسودة البحث. أجبت : لا أعرف مالسبب!. ربما لأني أكتب هناك بسرعة . أما هنا فكتبت ببطء شديد . قالت : لا أستطيع أن أصدق . قلت :سأكتب أمامك بالطريقتين أنظري . فذهلت وبقيت صامتة.
في الأمتحانات النهائية للسنة الرابعة، في امتحان نصوص و وثائق تاريخية. كانت يدي سيئة جداً، الاضطراب الذي سيطر عليها زاد قلقي، فأصبح الخط سيء جداً . أردت شرب الماء لعل الإضطراب يهدأ، لكن ما أن فتحت قنينة الماء حتى فقدت السيطرة على يدي، و سقط الماء على دفتر الإمتحان . ففوجئت و تحركت يدي لا شعورياً لتجفيفه. و أتممت الكتابة و أنا أحاول تخفيف الاضطراب في يدي بعدة طرق، كتحريكها،وتدليكها لكن...! . و عندما انتهيت من الكتابة، و قد شارف الوقت على الانتهاء. أخذت اتصفح أوراق الإجابة بسرعة ، فأكتشفت أنها ورقتين و سطر في الصفحة الثالثة . وكنت أتذكر ان الإجابة أطول (ست صفحات) فأعدت المراجعة و أدركت أن الإجابة صحيحة و مكتملة، لكن صغر الخط!. فخرجت من القاعة و أنا أعتقد أن نتيجة جميع الامتحانات المقالية هي الرسوب بسبب الخط ..
عند صدور وثيقة التخرج، اتصلت بزينب أحمد لإخبارها بذلك، و أخبرتها بذهابي إلى الجامعة في هذا الأسبوع. فقالت: زهراء انتظري لنذهب سوياً مع المجموعة. فقلت لها : أنت تعرفي اني لا استطيع رفض طلبك لكن هذا لا (كانت لدي رغبة بالذهاب معهن وتسوية الخلاف، لكن بسبب سوء حالتي رفضت) .
و بعد التخرج لم أكن أخرج إلا للضرورة ، و لم أرى أياً من فتيات المجموعة باستثناء أم هادي. طلبت الأذن بالزيارة ، و لم أستطع الرفض لإني لم أقابلها منذ سنتين ، و اشتقت إليها كثيرا . في يوم اللقاء حاولت القيام بعدة أمور ، كي لا تلاحظ حال جسمي ، و أهمها هو عدم التحرك ، و أخفاء يدي بشكل عفوي . جاءت أم هادي مع أخواتها ، كانت تحاول جاهدة أن تكون طبيعية و أنا أيضاً. خرجت لكنها نسيت لعبة طفلتها ، فأتصلت بها لأخبرها ، و لم تبدي اهتمام باللعبة . فقالت : زهراء ليس من عادتي سؤالك عن أمورك الخاصة أو أمر لم تحدثيني به !. لكن منذ رأيتك و أنا قلقة ، حتى أني لم أنم ليلة البارحة . ماذا أصابك؟!. أخبرتها صدقيني لا أعلم!. ..
في أحد الأيام اتصلت صديقتي آمنة حسن ( من قسم التاريخ) ، لتخبرني بوفاة أحد اقربائها. شعرت بالحزن و القلق، فأعدت الإتصال لعلي أجد سبب ينقذني . فأخبرتني أن لا أذهب هذا اليوم ، لأنها في المستشفى مع طفلها . أغلقت سماعة الهاتف و ذهبت لأبي ، و سئلته أن كان غير مرتبط بأحد ما أن أذهب إلى مقر العزاء لأعزيهم ، فوافق . ذهبت إلى مقر العزاء ولم يتعرفن إلي ، فجلست وأنا أنظر إلى الباب ، كنت قلقة و اتخيل مجيء آمنه في أي لحظة. بعد مرور ربع ساعة ، نهضت و توجهت إلى والدة زوجها . أخبرتها بإسمي فقالت : لم أعرف أن هذه أنتي ، لقد تغيرتِ كثيراً . فقلت لها : لا عليكِ .أبلغي تحياتي و عزائي إلى آمنة و إلى العائلة ، و خرجت .
و لم أكتفي ب آمنة حتى الصديقة إبتهال علي تكرر نفس الموقف معها مرتان. ففي عزاء جدها قالت لي زهراء ، أنا لا أتواجد في العزاء عصراً لكن أمي هناك ، أنا أرغب برؤيتك تعالي ليلاً . فذهبت عصراً و لم أرى والدتها، و وبختني أبتهال على تصرفي هذا و سألت كثيرا ، ولم أعطيها جواب صريح، هذه المرة الأولى.
أما المرة الثانية فكانت في زواج أخيها ، لم استطع الذهاب إلى حفل الزفاف. و قررت الذهاب إلى منزلها لتهنئة أهلها، فتحدثت إليها على الهاتف، و قالت أنا لا اتواجد في المنزل إلا بعد المغرب. فأغلقت الهاتف و اتصلت بوالدتها لأعلمها بقدومي، و نفذت ما أردت. اتصلت ابتهال و أول سؤال كان، زهراء لما جئتي وأنا لست في المنزل؟. أنا مشتاقة جدا لكِ لم نرى بعضنا منذ تخرجنا، لماذا تتصرفين هكذا؟ سكتت تنتظر الإجابة. و قالت: كعادتك لا توجد إجابة، و إن وجدت فهي ليست الإجابة على سؤالي. فأجبت : أنا أراجع المستشفى بسبب سوء حالتي الصحية . فقالت: من ماذا تشتكين؟!. فقلت : لا أعرف. قالت : كيف لا تعرفين؟. أجبت: لم يستطع الأطباء اكتشاف المرض إلى الآن . أبتهال لا تخبري زينب أحمد بشيء، لأنها لا تعلم. قالت : لما؟ أجبت : ليست لدي رغبة في ازعاجها. شعرت بعد ذلك أن علاقاتنا أصبحت غريبة ، بعد هذه المحادثه اتصلت بي و أجبت التحية،فقالت : ماهذا الصوت؟ أين أنت؟. أجبت: في المستشفى .قالت : لماذا؟ أجبت: لعمل أشعة الرنين المغناطيسي الوظيفي . فقالت: مع السلامة، وغابت مدة من الزمن و عادت.
بعد مرور مدة من تخرجنا كنت جالسه مع أمي ، و رن هاتفي المحمول معلنا وصول رسالة ، ففتحت الرسالة فقلت بصوت عالي : ما هذا هل أنا أحلم ؟! .ذهبت إلى أمي و قلت : انظري . كانت الرسالة من الصديقة زينب التي اتخذت خلافي حجة معها ،و تركت المجموعة بسبب أعراض المرض المجهول . كنا لا نفترق نحن و أم علي الا للضرورة . فسألت أمي : هل ستتجاهلينها مرة أخرى؟! فأجبت: لا، لأنها لا تراني. كتبت : أهلا زينب . فأجابت : كيف حالك زهراء؟ . تحدثنا، لكن لم نذكر الخلاف أبداً . بعد مرور مدة بسيطة من أنهائنا المحادثة ، تحدثن معي البقية كانوا سعداء جداً بحل الخلاف.
قبل شهر من انهيار جسمي بشكل كبير ، دعوت المجموعة لزواج أختي الثانية ، فجاءت زينب و أم علي، و أم محمد اعتذرت عن المجيء بسبب ظروف خاصة . زينب أحمد و أم زينب لم يهتموا بالأمر ، كانت هذه المره الأولى لهما.
فتضايقت من تجاهلهما لي ، لكن لم اخبرهما بل انتظرت أسبوع . ولم يكلماني ، فقاطعتهما أسبوعان ، بعد ذلك جسمي بدأ ينهار ، فأزدادت حالتي الصحية سوء ، فخيل إلي أنها النهاية.
فعدت إلى زينب و أم علي و أم محمد ، طلبت من أحدهن إيصال رسالة إلى زينب أحمد و أم زينب . و أخبرتهن بأن سبب عدم محادثتي لهما مباشرة هو عجزي . و أنا أكتب رسالتي بصعوبة بالغة ، ولا أستطيع التحدث على الهاتف ، و بعد هذه الرسالة سأجيب بواسطة الرموز .و أنا آسفه لإستخدامي هذا الأسلوب في المحادثة معكن ، لكن أنا متعبة جدا لا أعلم هل سأبقى حية حتى الصباح أم لا؟!.
كانت الرسالة ( أنا قاطعتكما لأني أحبكما ، منذ تخرجنا من الجامعة ، كانت هذه المره الأولى التي تتجاهلاني فيها . فشعرت بالضيق ، ليس لأنكما لم تحضرن ، بل لأني لم ارى منكن جفاء في السابق . كنا في الماضي عندما تدعو أحدنا الأخريات و حصل ظرف لأي واحدة منا نتصل أو نرسل رسالة لصاحبة الدعوة ، هل أزعجتكما في شيء حتى تضايقتما مني ؟ إن كان كذلك فأنا آسفة ) .و تم تسوية الخلاف ، كان السبب نسيانهما.
في مركز العلاج الطبيعي كانت معالجتي الأولى (أشتقت إليها) متساهله معي كثيرا ، كانت خطتها العلاجية مرنة ، إذا لم أستطع تطبيق أحد التمارين توقفني .
َ
لكن مع معالجتي الغالية ع. س ، اختلف الوضع تماماً. في أول لقاء أرعبتني بحديثها قائلة : زهراء أمامنا تمارين شاقة، فأبتسمت و أتممت كالقفز فوق الحبل ،و الترامبولين . فقلت : هل أنت ِ محقة ؟! قالت : نعم . فقلت لنفسي : وقعت في ورطة . فطبقت معي كثيرا من التمارين العقلية و الجسدية ،كتمارين الكرة السويدية بأنواعها ، و تمارين التنفس و تمارين العصا، و تمارين الإطالة بأنواعها ، و ركوب أجهزة كهربائية مختلفة كجهاز السير و الدراجة الهوائية، تمارين صعود الدرج ، المشي العكسي و غيرها . أدى ذلك إلى تذمري في كثيرا من الأحيان ، و كانت المعالجة ع. س تبتسم و تقول هيا أكملي ، و أكمل التمرين و التذمر .
َ
لكن مع معالجتي الغالية ع. س ، اختلف الوضع تماماً. في أول لقاء أرعبتني بحديثها قائلة : زهراء أمامنا تمارين شاقة، فأبتسمت و أتممت كالقفز فوق الحبل ،و الترامبولين . فقلت : هل أنت ِ محقة ؟! قالت : نعم . فقلت لنفسي : وقعت في ورطة . فطبقت معي كثيرا من التمارين العقلية و الجسدية ،كتمارين الكرة السويدية بأنواعها ، و تمارين التنفس و تمارين العصا، و تمارين الإطالة بأنواعها ، و ركوب أجهزة كهربائية مختلفة كجهاز السير و الدراجة الهوائية، تمارين صعود الدرج ، المشي العكسي و غيرها . أدى ذلك إلى تذمري في كثيرا من الأحيان ، و كانت المعالجة ع. س تبتسم و تقول هيا أكملي ، و أكمل التمرين و التذمر .
في بداية لقاءاتنا الأسبوعية كنا نطبق التمارين فنادتني أمل، فألتفت إليها قائلة : أسمي زهراء. قالت: أمل مناسب لكِ. قلت: ربما. أسمي عند مولدي كان نوال، لكن والدي غيره إلى زهراء. فقالت :اسم زهراء جميل. فأجبت: جميل جدا. فمشيت لإتمام التمرين، فنادتني زهراء اجعلي خطواتك أوسع. (مرضى الشلل الرعاش خطواتهم ضيقة)..
في أحد المرات وقعت في إحراج شديد ، كنت كعادتي اتذمر و اطبق التمارين و أناقش الكتب ، و نضحك غير مباليات بالمريضة التي معنا خلف الستار في الغرفة .
أنهيت التمرينات الرياضية فجلست لأسترجع طاقتي لأخرج إلى المنزل ، فجاءت المعالجة ع. س إلى، و قالت لي: لدى لك مفاجأة، هاجر التاروتي خلف الستار. ذهلت 😮 و قلت: ماذا؟! . قالت : نعم. ألن تخرجي لأداء التحية. أجبت : لا . فقالت : لماذا؟! أجبت : أنا محرجة. قالت : كيف لا تلقين عليها التحية. و أنتِ هنا؟ قلت: لا أعرف . قالت :أنتِ حرة. و تركتني قليلا استعدت هدوئي، فقررت الخروج لأداء التحية.
خرجت و ألقيت التحية، كانت لطيفة و هادئة. وكنتُ مرتبكة. لا اتذكر هل تحدثت معها أم لا؟!. وخرجت..
أنهيت التمرينات الرياضية فجلست لأسترجع طاقتي لأخرج إلى المنزل ، فجاءت المعالجة ع. س إلى، و قالت لي: لدى لك مفاجأة، هاجر التاروتي خلف الستار. ذهلت 😮 و قلت: ماذا؟! . قالت : نعم. ألن تخرجي لأداء التحية. أجبت : لا . فقالت : لماذا؟! أجبت : أنا محرجة. قالت : كيف لا تلقين عليها التحية. و أنتِ هنا؟ قلت: لا أعرف . قالت :أنتِ حرة. و تركتني قليلا استعدت هدوئي، فقررت الخروج لأداء التحية.
خرجت و ألقيت التحية، كانت لطيفة و هادئة. وكنتُ مرتبكة. لا اتذكر هل تحدثت معها أم لا؟!. وخرجت..
و بذلك تكون هاجر أول شخصية ألتقي بها بعد العلاج ، وهي أول شخصية ألتقي بها من مجموعة عصبة القراءة. و كان لذلك اللقاء أثره الإيجابي، وهو محاولاتي العودة إلى مقابلة الناس بشكل طبيعي، بغض النظر عن نظراتهم.
أشكر المعالجة ع. س و هاجر التاروتي على هذه المفاجأة الجميلة ، و أعتذر على أسلوبي الجاف . لا أحاول أن أغطي ردت فعلي ، لكن لم أفكر يوما أو أتخيل بأني سألتقي بشخصية من عصبة القراءة لذلك تفاجئت .
قبل أسبوع من لقائي بهاجر ، كنت في نفس المكان في غرفة انتظار السيدات، فدخلت شخصية فألتفت إليها و تعرفت عليها . فحاولت أن لا ألفت انتباهها ، فركزت نظري بإتجاه الباب، ولم أتحدث في فترة بقائها.(لا أتحدث في غرفة الانتظار إلا لرد التحية). و السبب في تصرفي هذا اختفائي مدة زمنية ، و عودتي بشكل آخر ، و أنا لم أتغير من ناحية الشكل فقط ، بل من جميع النواحي كأني لم أكن موجودة قبل ذلك. فأصبحت شخصية مختلفة عن السابق، كل ذلك مضى و لن يعود. الآن أصبحت علاقاتي الاجتماعية طبيعية ، و لم يبقى سوى تخطي عقبات الشلل الرعاش،و عقاقيره ال ....
تحياتي للجميع
النص لا يخلو من الأخطاء
النص لا يخلو من الأخطاء
لا يوجد تعليقات
أضف تعليق